اليوم الدولي للتضامن الإنساني.. التزام أممي في مواجهة عالم تتسع فيه الفجوات

اليوم الدولي للتضامن الإنساني.. التزام أممي في مواجهة عالم تتسع فيه الفجوات
اليوم الدولي للتضامن الإنساني

يُحيي العالم في العشرين من ديسمبر من كل عام اليوم الدولي للتضامن الإنساني، وهو يوم أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكون مناسبة سنوية لتأكيد قيمة التضامن باعتبارها إحدى القيم الأساسية والعالمية التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات بين الشعوب في القرن الحادي والعشرين.

يأتي هذا اليوم ليمنح المجتمع الدولي فرصة لتوكيد حقيقة جوهرية مفادها أن المستقبل المشترك للبشرية مرهون بقدرتها على العمل معاً، في ظل عالم تتشابك فيه المصالح وتتسع فيه الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

ويقع مفهوم التضامن في صميم ميثاق الأمم المتحدة، كما يشكل أحد الأعمدة الرئيسة لعمل المنظمة اليومي، حيث يُنظر إليه بوصفه أداة جامعة توحّد الدول والمجتمعات من أجل الدفع قدماً بمسارات السلام، وتعزيز حقوق الإنسان، ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ومن هذا المنطلق، لا يُنظر إلى اليوم الدولي للتضامن الإنساني باعتباره مجرد مناسبة رمزية، بل باعتباره محطة سنوية لإعادة تأكيد الالتزامات الدولية المشتركة، ولتعزيز الوعي العام بأهمية التضامن، وتحفيز التعاون العملي الملموس بين مختلف الفاعلين.

نشأة اليوم

تعود الجذور التاريخية لهذا اليوم إلى إعلان الألفية للأمم المتحدة الذي اعتمدته الجمعية العامة في سبتمبر من عام 2000، حيث أُدرج التضامن ضمن القيم الأساسية التي يجب أن تحكم العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، وقد جاء هذا الاعتراف في سياق عالمي يتسم بتسارع العولمة واتساع أوجه اللامساواة، الأمر الذي جعل من تعزيز التضامن الدولي ضرورة لا غنى عنها، وليس مجرد خيار أخلاقي.

وفي إطار ترجمة هذا الالتزام إلى خطوات عملية، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2002 صندوق التضامن العالمي، بموجب قرارها رقم 265/57، بهدف القضاء على الفقر وتعزيز التنمية البشرية والاجتماعية في البلدان النامية، ولا سيما القطاعات الأشد فقراً من سكانها. ولاحقاً، أُنشئ الصندوق بوصفه صندوقاً استئمانياً تابعاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ليكون إحدى الأدوات المؤسسية الداعمة لمفهوم التضامن العالمي.

وفي عام 2005 أكدت الجمعية العامة، عبر قرارها رقم 209/60، التضامن بوصفه قيمة أساسية وعالمية ينبغي أن تقوم عليها العلاقات بين الشعوب، وقررت في هذا السياق إعلان يوم 20 ديسمبر من كل عام يوماً دولياً للتضامن الإنساني، جاء هذا القرار ليُضفي طابعاً رسمياً على الجهود الرامية إلى تعزيز ثقافة التضامن، وليجعل منه محوراً للنقاش والعمل على المستوى الدولي.

أهمية اليوم

يكتسب اليوم الدولي للتضامن الإنساني أهمية خاصة في ضوء اعتماد العالم، عام 2015، جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة الذي يتمحور حول الإنسان والكوكب، ويرتكز على حقوق الإنسان، وتدعمه شراكة عالمية تهدف إلى القضاء على الفقر والحد من أوجه التفاوت داخل البلدان وفيما بينها.

وفي هذا السياق تؤكد الأمم المتحدة أن التضامن يشكل ركيزة أساسية لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وأن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاوناً عملياً بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأفراد.

وتدعو الأمم المتحدة، من خلال إحياء هذا اليوم، جميع الأطراف إلى تحويل الالتزامات الدولية إلى تعاون ملموس، وإلى العمل المشترك من أجل بلوغ أهداف التنمية المستدامة، ومنها القضاء على الفقر، ويُنظر إلى هذا اليوم بوصفه مناسبة للاحتفاء بوحدتنا في إطار التنوع، ولتذكير الحكومات بوجوب احترام التزاماتها بموجب الاتفاقات الدولية، ولرفع مستوى الوعي العام بأهمية التضامن، ولتشجيع النقاش حول سبل تعزيزه، فضلاً على كونه يوماً للعمل يحفّز مبادرات جديدة للقضاء على الفقر وتعزيز التنمية البشرية والاجتماعية.

وفي منظومة الأمم المتحدة يتجسد التضامن عندما يُنظم في صورة تعاون ودعم يمكن التعويل عليه ومسؤولية مشتركة، ويظهر ذلك بوضوح في آليات الاستجابة الإنسانية، خصوصاً من خلال الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ الذي يتيح إيصال مساعدات منقذة للأرواح بسرعة ومرونة عند اندلاع الأزمات الإنسانية، وكذلك في حالات الطوارئ التي تعاني نقصاً مزمناً في التمويل. 

وتساعد النوافذ المخصصة للاستجابة السريعة وحالات نقص التمويل في تقديم الدعم في الوقت المناسب للأزمات المتسارعة والمهمَلة، ما يعكس جوهر التضامن الدولي في صورته العملية.

وعلى امتداد العقود الأخيرة، شهد مفهوم التضامن محطات أممية بارزة، بدءاً من الاعتراف به بوصفه قيمةً أساسية في إعلان الألفية عام 2000، مروراً بإنشاء صندوق التضامن العالمي عام 2002، ثم إعلان اليوم الدولي للتضامن الإنساني عام 2005، وصولاً إلى اعتماد جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة عام 2015، تعكس هذه المحطات تطور النظرة إلى التضامن من كونه قيمة أخلاقية إلى كونه إطاراً عملياً للعمل الدولي المشترك.

يسعى اليوم الدولي للتضامن الإنساني إلى تذكير الأفراد والمجتمعات بمسؤولياتهم تجاه بعضهم البعض، خصوصاً في مواجهة التحديات العالمية مثل الفقر وتغير المناخ والصراعات، ووفقاً للأمم المتحدة، يُحتفل بهذا اليوم أيضاً للاحتفاء بالوحدة والتنوع الموجودين في جميع أنحاء العالم، ولتعزيز ثقافة التعاون والمساواة والعدالة الاجتماعية.

وتؤكد الأمم المتحدة من خلال هذا اليوم أهمية احترام الاتفاقات والالتزامات الدولية التي تعهدت بها الدول الأعضاء، وتشجع جميع الحكومات على إعادة تأكيد التزامها بمبادئ التضامن، والعمل من أجل القضايا المشتركة نيابة عن الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.

كما يسلط هذا اليوم الضوء على أهمية العمل من أجل حقوق الإنسان، والتعليم للجميع، والعدالة الاجتماعية، بوصفها عناصر مترابطة لا يمكن فصلها عن مفهوم التضامن.

وتدعو الأمم المتحدة الأفراد والمؤسسات إلى إحياء هذا اليوم والمشاركة فيه عبر سبل متعددة، تشمل التعرف على أهداف التنمية المستدامة ودور الشراكات في تنفيذها، والتطوع بالمهارات من خلال خدمة التطوع عبر الإنترنت لدى متطوعي الأمم المتحدة، ودعم المساعدات المنقذة للأرواح عبر الإسهام في الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ، ومتابعة عمل الأمم المتحدة المتعلق بالتضامن، واستخدام الوسوم المقترحة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: #يوم_التضامن، و#لن_نترك_أحدا_خلف_الركب، و#الأهداف_العالمية.

وختاماً، يُعد اليوم الدولي للتضامن الإنساني تذكيراً سنوياً بأن الإنسانية المشتركة تظل الأساس الذي ينبغي أن تُبنى عليه الجهود الدولية لمواجهة التحديات العالمية، ويعيد هذا اليوم التأكيد أن التضامن ليس مجرد شعار، بل التزام أخلاقي وسياسي واجتماعي واقتصادي، يهدف إلى بناء عالم أكثر عدلاً وإنصافاً، يعمل فيه الجميع معاً من أجل المصلحة العامة، ويضمن حياة كريمة لكل إنسان دون استثناء.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية